للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ عيينة، عن الزهري، عن سَهل: "إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَّقَ بين المُتَلاَعِنَين"، خرَّجه البخاري (١).

وانتَقَدَ ذلك الدارقطنيُّ في الاستدراكات وقال: "هذا مِمَّا وَهِمَ فيه ابنُ عيينة؛ لأنَّ أصحابَ الزهري قالوا: فطلَّقها قبل أن يأمرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فكان فراقُه إِيّاها سُنَّةً. لمَ يقلْ أحدٌ منهم أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَّق بينهما غيرُه" (٢).


(١) لم أجده بهذا اللفظ، أعني ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه.
وأخرجه البخاري في صحيحه كتاب: المحاربين باب: من أظهر الفاحشة واللَّطخ والتهمة بغير بيّنة (٨/ ٣٤٩) (رقم: ٦٨٥٤)، وفي الأحكام باب: من قضى ولاعن في المسجد (٨/ ٤٥٣) (رقم: ٧١٦٥) بلفظ: "شهدتُ المتلاعنين وأنا ابنُ خمس عشرة فُرِّق بينهما".
والمعنى واحد؛ لأن المراد بالمفرّق في طريق ابن عيينة هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء بتمامه عند أبي داود في السنن (٢/ ٦٨٤) (رقم: ٢٢٥١). وقال أبو داود: "لم يُتابِع ابنَ عيينة أحدٌ على أنه فرّق بين المتلاعنين".
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة (٣ /ل: ٤٤/أ): "سئل يحيى بن معين عن حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي: أنَّه شهد المتلاعنين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فرَّق بينهما؟ فقال: أخطأ، ليس النبي فرَّق بينهما".
(٢) التتبّع (ص: ٢٨٧).
قال الحافظ ابن حجر: "لم أره عند البخاري بتمامه، وإنما ذكر بهذا الإسناد طرفًا منه، وكأنه اختصره لهذه العلّة، فبطل الاعتراض عليه". هدي الساري (ص: ٤٠٠).
قلت: بطلان الاعتراض على البخاري لا من جهة عدم ورود طريق ابن عيينة في صحيحه، بل روايته موجودة عنده بالمعنى، ولكن يبطل الاعتراض من جهتين:
١ - أنَّ ابن عيينة لم ينفرد بقوله: "ففرّق بينهما"، بل تابعه الزبيدي كما في السنن الكبرى للبيهقي (٧/ ٤٠٠، ٤٠١)، وقال البيهقي بعد أن أورد كلام أبي داود السابق: "يعني بذلك في حديث الزهري عن سهل بن سعد، إلاَّ ما رويناه عن الزبيدي عن الزهري: أنَّه فرَّق بينهما النبي - صلى الله عليه وسلم -".
٢ - أنه جاء من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فرّق بينهما، وسيورده المصنف. ولم تقع الفرقة بطلاقه إيّاها، وإنما باللعان نفسه، فيصدق أنه فرّق بينهما النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي حديث ابن عمر بعد أن ذكر الطلاق قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبيل لك عليها"، أي ليست في ملكك، فلا يصح طلاقك لها. وللعلماء في ذلك تفصيل واختلاف.
انظر: التمهيد (٦/ ١٩٤)، الفتح (٩/ ٢٧٥، ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>