للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْحَارِثُ وَاسْتَبْكَى، ثُمَّ إِنَّ مُعَاذًا أَفَاقَ، فَقَالَ: يَابْنَ الْحِمْيَرِيَّةِ لِمَ تَبْكِي عَلَيَّ؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ الْحَارِثُ: وَاللَّهِ، مَا عَلَيْكَ أَبْكِي، فَقَالَ مُعَاذٌ: فَعَلَى مَا تَبْكِي؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَى مَا فَاتَنِي مِنْكَ، الْعَصْرَيْنِ، الْغُدُّوِّ، وَالرَّوَاحِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: أَجْلِسْنِي، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: اسْمَعْ مِنِّي، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ، إِنَّ الَّذِي تَبْكِي عَلَيَّ، مِنْ غُدُوِّكَ، وَرَوَاحِكَ، فَإِنَّ الْعِلْمَ مَكَانَهُ بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ أَعْيَا عَلَيْكَ تَفْسِيرُهُ، فَاطْلُبْهُ بَعْدِي عِنْدَ ثَلاثَةٍ، عُوَيْمِرٌ أَبُو الدَّرْدَاءِ، أَوْ عِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَوْ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَأُحَذِّرُكَ زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ، ثُمَّ إِنَّ مُعَاذًا اشْتَدَّ بِهِ النَّزْعُ، نَزْعُ الْمَوْتِ، فَنَزَعَ نَزْعًا، لَمْ يَنْزِعْهُ أَحَدٌ، فَكَانَ كُلَّمَا أَفَاقَ مِنْ غَمْرَةٍ فَتَحَ طَرْفَهُ، فَقَالَ: اخْنُقْنِي خَنْقَكَ، فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ، قَالَ: فَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ، انْطَلَقَ الْحَارِثُ، حَتَّى أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ، بِحِمْصَ، فَمَكَثَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ قَالَ الْحَارِثُ: أَخِي مُعَاذٌ أَوْصَانِي بِكَ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَبِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَلا أَرَانِي إِلا مُنْطَلِقًا إِلَى الْعِرَاقِ، فَقَدِمَ الْكُوفَةَ، فَجَعَلَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ ذَاتَ يَوْمٍ، قَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، قَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ: نِعْمَ الْحَيُّ أَهْلُ الشَّامِ، لَوْلا وَاحِدَةٌ، قَالَ الْحَارِثُ: وَمَا تِلْكَ الْوَاحِدَةُ، قَالَ: لَوْلا أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَاسْتَرْجَعَ الْحَارِثُ، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا، قَالَ: صَدَقَ مُعَاذٌ فِيمَا قَالَ لِي، فَقَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ: مَا قَالَ لَكَ يَابْنَ أَخِي! قَالَ: حَذَّرُونِي زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَاللَّهِ مَا أَنْتَ ابْنُ مَسْعُودٍ! إِلا أَحَدُ رَجُلَيْنِ، إِمَّا رَجُلٌ أَصْبَحَ عَلَى يَقِينٍ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ رَجُلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>