والاشتقاق يدلُّ على أنَّ جميعها جنات عدن فإنَّه مِنَ الإقَامةِ والدوام. يقال عدن بالمكان: إذا أقامَ به وعدنِتُ البلد: توطنته، وعدَنَت الإبلُ بمكان كذا: لزمته فلم تبرحْ منه.
قال الجوهري: ومنه جنَّات عدن أي: جنات إقامة. وثم قولٌ بأنَّ جنةَ عدنٍ اسمٌ لموضع من الجنة مخصوص (١).
وهو جنَّة من جملة الجنان. قلتُ: ولا مانع من كونه اسم لموضع مخصوص، ويطلق على الكلِّ أنَّه عدن أي: أقام وخلد واستمر وأمَّا أَنَّه جنةٌ مخصوصة من جملة الجنان فهذا أظهر من الشَّمسِ الصابحة لورودِ الأحاديث الثابتة بذلك.
وكنتُ تابعت الإمامَ المحقق في المسودة على أنَّها اسمٌ لجميعِ الجنان وليستْ هي جنة بنفسها مستقلة. ثُمَّ ظَهر لي أنَّ الحقَّ أنَّ جنَّةَ عدن اسمٌ لموضعٍ مخصوص في الجنات وإنْ جازَ إطلاقُه على جملةِ الجنات لصدق ذلك على جملتها كما فهم مما قررنا. وحجة ما اخترناه ما أخرجَ الطبرانيُّ في المعجم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُنزل اللهُ تعالى في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل، فينظر الله في الساعةِ الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينظر في الثَّانية في جنة عدن وهي مسكنه الذى يسكنُ لا يكون معه فيها أحد إلَّا الأنبياء والشُهداء والصديقون، وفيها ما لم يره أحدٌ ولا خَطَر علَّى قلبِ بشرِ ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول: