للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحمق (يعني: فرعون) افتخر بنهر ماء أجراه ما أجرأه فانظر هذه البلاغة التي كادت تثلب الفؤاد والله تعالى يفعل ما يشاء ويختار سبحانه من منح من شاء ما شاء.

وقال سبحانه وتعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (٦٦)} [الرحمن: ٦٦] أي: فوارتان. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد قال: نضاختان بالماء، والفاكهة (١) وعن أنس رضي الله عنه: نضاختان بالمسك، والعنبر فينضخان على دور أهل الجنَّةِ كما ينضخ المطرُ على دور أهل الدنيا (٢)، وعن البراء: اللتان تجريان أفضل من النضاختين.

وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: ١٥]. وذكر سبحانه هذه الأجناس الأربع ونفى عن كلّ واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا، فآفة الماء أنْ يأسن، ويأجن يعني: يتغير، وينتن من طول مكثه، فإن قيل: قد وصف سبحانه الأنهارَ بأنها تجري، ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن فما فائدة قوله: غير آسن؟

فالجواب: الماء الجاري وإنْ كان لا يأسن فإنه إذا [أخذ] (٣) منه شيء، وطال مكثه، أسن، وماء الجنَّة لا يعرض له ذلك، ولو طال مكثه مهما طال، واعلم أنَّ في خمر الدُّنيا آفات كثيرة، ولا كذلك خمر


(١) ابن أبي شيبة ٧/ ٦٥ (٣٤٠٤٤) كتاب: الجنة.
(٢) ابن أبي شيبة (٤/ ٥١٨).
(٣) لعل العبارة: لم يؤخذ.