للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فإنه سبحانه أخبر عن مزج شرابهم بالكافور وبرد في مقابلة ما وصفهم به من حرارة الخوف، والإيثار، والصبر، والوفاء بجميع الواجبات التي نبه بوفائهم بأضعفها، وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء بأعلاها، وهو ما أوجبه الله عليهم، ولهذا قال: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢)} [الإنسان: ١٢] فإنَّ الصبر من الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما اقتضى أن يكون في جزائهم من سعةِ الجنَّة، ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونه، وجمع لهم تعالى بين النضرة والسرور، فهذا جمال ظواهرهم، وهذا جمال بواطنهم، كما جملوا ظواهرهم في الدنيا بشرائع الإسلام، وبواطنهم بحقائق الإيمان.

ونظيره قوله تعالى في آخر السورة: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: ٢١]: فهذا زينة الظاهر، ثُمَّ قال: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: ٢١]. فهذا زينة الباطن المطهر له من كلّ أذى ونقص.

ونظير هذا قوله تعالى لأبيهم آدم: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)} [طه: ١١٨، ١١٩] فضمن له أن لا يصيبه ذل الباطن بالجوع، ولا ذل الظاهر بالعري، وأن لا يناله حَرّ الباطن بالظماء، ولا حر الظاهر بالضحى، والضح: هو الحر، ومنه حديث: "لا يقعدن أحدكم بين الضح والظل فإنَّه مقعد