للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومسبباته، وليس هذا بأهون عليه من ذلك، ولعل النشأة الأولى التي أنشأها تعالى فيها بالعيان والمشاهدة أعجب من النشأة الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيب، ولعل إخراج هذه الفواكه، والثمار من بين هذه التربة الغليظة، والماء، والخشب، والهواء المناسب لها أعجب عند العقل من إخراجها من تربة الجنَّة ومائها وهوائها، ولعل إخراج هذه الأشربة التي هي غذاء ودواء وشرب (١) ولذة من بين فرث ودم ومن قيء ذباب أعجب من إخراجها أنهارًا في الجنَّة باسباب أخر.

ولعل إخراج جوهري الذهب والفضة في عروق الحجارة من الخيال، وغيرها أعجب من إنشائها هناك من أسباب، ولعل إخراج الحرير من لعاب دود القز، وبنائها على أنفسها القباب البيض والحمر والصفر أحكم بناء أعجب من إخراجه من أكمام تتفتق عنه شجر (٢) هناك قد أودع فيها، وأنشئ منها.

ولعل جريان بحار الماء بين السمَّاء والأرض على ظهور السَّحابِ أعجب من جريانها في الجنَّة في غير أخدود، وبالجملة فالمعبود بحق قادر على كلِّ شيء، والقادر له أن يعكس الأسباب بأن يجعل الماء ينضج ويحرق إذ لا يسأل عمَّا يفعل، وإذا تأمل العاقل بين أمور الدنيا والآخرة، ثُمَّ وازن بينها، وبين ما أخبر به تعالى من أمور الآخرة من الجنَّة والنار وما فيهما وجد هذه الأشياء نموذجًا دالًا على تلك أتم دلالة شاهدة لها، فمن رزقه الله علمًا لدنِّيِّا، وقذفَ في قلبهِ


(١) في (ب): شراب.
(٢) في (ب): شجرها.