للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمال إلى قولها، وترك التعبد، واشتغلَ بفنون اللذات، فبلغ ذلك أخًا له كان يوافقه في العبادةِ فكتب إليه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنَ الناصح الشَّفيق، والطبيب الرفيق (١) إلى مَنْ سلب حلاوة الذكر، والتلذذ بالقرآن بلغني أنكَ اشتريت قينة بعْت بها حظك من الآخرة فإنْ كنتَ بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان فإنِّي محذرك هاذم اللذات، ومنغص الشهوات فكأنه قد جاءك على غرة فأبكم منك اللسان، وهدم منك الأركان وقرَّب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران، وأحذرك من الصَّيحة إذا جثت الأمم لملك جبار.

ثمَّ طوى الكتاب، وبعثه إليه، فوافاه وهو على مجلس سروره فأذهله، وأغصه بريقه فنهض من مجلسه، وعاد إلى اجتهاده حتَّى مات فقال الذي وعظه فرأيته في المنامِ بعد ثلاث فقلت ما فعل الله بك، فقال شعر:

الله عوضني ذو العرش جارية ... حوراء تغنيني طورًا وتسقيني

تقول لي اشرب بما قد كنت تأملني ... وقر عينًا مع الولدان والعين

يا مَنْ تخلَّى عن الدُّنيا وأزعجه ... عن الخطايا وعيد في الطواسين

وقد ذكرت لهذا يعنى مَنْ ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه بابا في مجموعي "نديم الندماء" وذكرت ثَمَ أشياء توفي بالمراد فعلى العاقل أن


(١) في (ب): الرقيق، وما أثبت يوافق التبصرة لابن الجوزي (١/ ٣٧٢).