للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللحم العريض وهو قليل، فقال ذات يوم: إنَّي والله قد أدى تعذيركم، وكراهتكم لطعامي إنِّي والله لو تشيئت (١) لكنت من ألينكم طعامًا، وأرقكم عيشًا، ولكني سمعت الله (٢) عير قومًا بأمرِ فعلوه، فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}.

فمن تركَ اللذةَ المحرمةَ استوفاها يومَ القيامةِ أكمل ما تكون، ومن استوفاها هاهنا حرمها ثَم أو نْقِص كمالها فلا يجعل الله لذة من عكف على معاصيه، ومحارمه كلذة من ترك شهوته لله أبدًا.

قلت: وبالجملة كلّ من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، أو عوّضه ذلك الشيء بنفسه (٣) على وجه مباح شرير.

وقد حكى الإمام الحافظ ناصر السنة أبو الفرج ابن الجوزي طيَّب الله ثراه في كتاب "التبصرة" عن بعض السلف قال: كان لنا جار من المتعبّدين قد برز في الاجتهاد فصلىَّ حتَّى تورمتْ قدماه، وبكى حتَّى مرضت عيناه، فاشترى جاريةً وكانت تحسن الغناء وهو لا يعلم فبينا هو في محرابه رفعتْ صوتها بالغناء، فطار لبّه، ورام ما هو عليه من التعبد فلم يقدر عليه فقالتْ له الجارية: يا مولاي لقد أبليت شبابكَ، ورفضت لذات الدُّنيا في أيام حياتك فلو تمتعت بي


(١) في (ب): شئت، وهو أصح.
(٢) في (ب): تعالى. والأثر في الزهد لابن المبارك (٢٠٤) طبقات ابن سعد (٣/ ٢٧٩).
(٣) في (ب): ساقطة.