للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم السلام، والصديقون، والشهداء، والصالحون يخافون النار، ويخوفون منها فأمَّا ما يُذكر عن بعض العارفين من عدم خشية النَّار فالصحيح منه له وجه سنذكره إن شاء اللَّه تعالى (١). قال ابن المبارك عن وهب بن منبه: قال حكيم من الحكماء: إنِّي لأستحي من اللَّه عز وجل أن أعبده رجاء ثواب الجنَّة (أي: فقط) فأكون كالأجير السوء إن أعطى عمل، وإن لم يعط لم يعمل، وإنَّي لأستحي من اللَّه تعالى أن أعبده مخافة النَّار (أي: فقط) فأكون كالعبد السوء إن رهب عمل، وإن لم يرهب لم يعمل، وإنه يستخرج حبه مني ما لا يستخرجه مني غيره. خرجه أبو نعيم (٢).

وفيه تفسير لهذا الكلام من بعض رواته وهو أنَّه ذم العبادة على وجه الرجاء وحده أو على وجه الخوف وحده هذا حق. وكان بعض السلف يقول: من عبد اللَّه بالرجاء وحده فهو مرجي، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد اللَّه تعالى بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد اللَّه تعالى بالخوف، والرجاء، والمحبة فهو موحد مؤمن وسبب هذا أنه يجب على المؤمن أن يعبد اللَّه بهذه الثلاثة فلابد له من جمعها ومن أخلّ ببعضها فقد أخلَّ ببعض واجبات الإيمان وكلام هذا الحكيم يدلّ على أنَّ الحب ينبغي أن يكون أغلب من الخوف والرجاء كذا قال الحافظ رحمه اللَّه، وقد قال الفضيل بن عياض رحمه


(١) انظر "التخويف من النار" ص ٢١ - ٢٢.
(٢) انظر "الحلية" ٤/ ٥٣.