للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عامر بن عبد اللَّه يقول: ما رأيت مثل الجنَّة نام طالبها، وما رأيت مثل النَّار نام هاربها. فكان إذا جاء الليلُ قال: أذهب حر النَّار النومَ فما ينام حتى يصبح، وإذا جاء النَّهار قال: أذهب حر النَّار النوم. فما ينام حتى يمسي، وكان يتلوى كما يتلوى الحب في المقلى، ثم يقوم فينادي: اللهم إن النَّار قد منعتني النوم فاغفر لي. وقيل له: مالك لا تنام؟ قال: إن ذكر جهنم لا يدعني أنام.

وأمر لبعض العبّاد بمائة ألف درهم فأبى أن يقبلها، وقال: ذكر جهنم أذهب حلاوة الدُّنيا من قلبي (١).

وما كان سفيان الثوري ينام إلا أوّل الليل، ثُمَّ يستيقظ فزعًا مرعوبًا ينادي النَّار النَّار شغلني ذكر النَّار عن النوم، والشهوات ثُمَّ يتوضأ، ويقول على أثر وضوءه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، ولا أطلب إلا فكاك رقبتي من النَّار وفي هذا يقول الإمام الكبير عبد اللَّه بن المبارك رضي اللَّه عنه:

وإذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدُّنيا هجوع

وقال أيضًا:

وما فرشهم إلا أيامن أزرهم ... وما وسدهم إلا ملأ وأذرع

وما ليلهم فيهن إلا تخوّف ... وما نومهم إلا عشاش مروع

وألوانهم صفر كأنَّ وجوههم ... عليها جساد طلي بالورس مشبع


(١) صفة النار لابن أبي الدنيا (١٩٨).