للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزُّمَر: الآية ٦٨] فقد استثنى الله بعضَ من في السّموات، ومن في الأرض من هذا الصّعق؛ فقيل هم الشهداء، وهو قول أبي هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير، وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل هم الذين في الجنة من الحور العين، وغيرهم ومن في النار من أهل العذاب، وخزنتها وهذا قول أبي إسحاق بن شاقِلّا من أصحابنا، وقد نصّ إمامنا (١) رضي الله عنه على أن الحور العين لا يمتن عند النفخ في الصّور، وقد أخبر الله تعالى أن أهل الجنة {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدّخَان: الآية ٥٦]، وهذا نصّ على أنهم لا يموتون، غير تلك الموتة الأولى فلو ماتوا مرّة ثانية لكانت موتتان.

وأما قول أهل النار {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غَافر: الآية ١١] فتفسير هذه الآية والتي قبلها قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البَقَرَة: الآية ٢٨] فكانوا أمواتًا وهم نُطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمّهاتهم ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم ثم يحييهم يوم النشور، وليس في ذلك إماتة أرواحهم قبل يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات، وصعق الأرواح عند النفخ في الصّور لا يلزم منه موتها، ففي الصحيح أن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أوّل من يفيق، فإذا موسى آخذ


(١) يقصد الإمام أحمد بن حنبل، والكلام ما زال لابن القيم في الروح ص ٧٠.