تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك، كما أن النفس العُلوية التي كانت في الدّنيا عاكفة على محبة الله وذكره، والتقرب إليه، والأنس به تكون بعد المفارقة في الأرواح العُلوية المناسبة لها، فالمرءُ مَع مَن أحبّ، في البرزخ ويومَ المَعاد، فالرّوح بعد المفارقة تُلحقُ بأشكالها وأخواتها، وأصحاب عملها فتكون معهم هناك.
وفي الحديث (١)"وتجعل روحه يعني المؤمن مع النّسيم الطيّب" أي: الأرواح الطّيّية، المشاكلة لروحه.
قال: ومنها أرواح تكون في تنور الزنادقة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه، وتلقم الحجارة فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد، بل رُوح في أعلا عليين وروح أرضية سفلية.
وإذا تأملت السّنن والآثار في هذا الباب، وكان لك فضل اعتناء عرفت حجة ذلك، ولا تظن أنّ بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تناقضًا فإنها كلها حقّ، يصدّق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النّفس وأحكامها، وأن لها شأنًا غير شأن البدن، وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصلُ بالقبر وبالبَدن فيه وهي أسرع شيء حركةً وانتقالًا، وصعودًا وهبُوطًا، وأنها تنقسمُ إلى مُرسلة ومحبوسة، وعُلوية وسُفلية، ولَها بعد المفارقة صحة ومرض، ولذة ونعيم وألم أعظم مما كان لها في حال اتصالها بالبدن بكثير، فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض، والحسرة وهنالك اللذة