للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من العذاب: الحجاب عنه الذي هو أشد من كلِّ عذاب، وأعظم من كل عقاب، ثم صليهم الجحيم، ثم توبيخهم بتكذيبهم به في الدُّنيا مع ما وصفهم به من أنَّ الران على قلوبهم وهو صدأ الذنوب التي سودت قلوبهم فلم يصل إليها بعد ذلك شيء من معرفة الله، ولا من إجلاله، ومهابته، وخشيته، ومحبته، والإلتذاذ بذكره، والتفكر في آلائه إِن هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.

فلمَّا حجبت قلوبهم في الدنيا عن معرفة الله والتلذذ بذكره، وكلامه، والتنعم بمحبته، والتفكر في إنعامه حُجِبوا في الآخرة عن النظر إليه، ومجاورته فيا لها من حسرة ما أعظمها، ومصيبة ما أجسمها.

قال أحمد بن أبي الحواري: حدَّثَنا أحمد بن موسى عن أبي مريم قال: يقول أهل النار: إلهنا ارض عنا، وعذبنا بأيّ نوع شئت من عذابك فإنَّ غضبك أشد علينا من العذاب الذي نحن فيه (١). قال أحمد: فحدثت به سليمان بن أبي سليمان فقال: ليس هذا كلام أهل النار هذا كلام المطيعين لله قال فحدثت به أبا سليمان فقال: صدق سليمان بن أبي سليمان وسليمان هو ولد أبي سليمان الداراني وكان عارفًا كبير القدر رحمه الله.

قال الحافظ ابن رجب: وما قاله حق فإن أهل النار جُهَّال لا يتيقظون لهذا وإن كان في نفسه حقا؟ وإنّما يعرف هذا من عرف الله وأطاعه ولعل هذا يصدر من بعض من يدخل النار من عصاة


(١) "التخويف من النار" ص ١٩٥، فصل: أعظم عذاب أهل النار حجابهم عن الله عز وجل.