للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم ويدل له ما خرَّجه البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "إن أدنى أهل الجنة حظًا أو نصيبًا قوم يخرجهم الله تعالى من النار، فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى وذلك أنهم كانوا لا يشركون بالله شيئًا فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل حتَّى إذا دخلت الأرواح أجسادهم فيقولون: ربنا كما أخرجتنا من النار ورجعت الأرواح إلى أجسادنا فاصرف وجوههنا عن النار فيصرف وجوههم عن النار" (١).

قال الإمام القرطبي في "تذكرته" (٢) في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأماتهم الله إماتة": هذه الموتة للعصاة موتة حقيقة؛ لأنه أكدها بالمصدر وذلك تكريمًا لهم حتَّى لا يحسوا ألم العذاب.

قال: فإن قال قائل: فأي فائدة حينئذ في إدخالهم النار وهم لا يحسون بالعذاب فالجواب: يجوز أن يدخلهم تأديبًا لهم وإن لم يذوقوا فيها العذاب ويكون صرف نعيم الجنة عنهم مدة كونهم بها عقوبة لهم كالمحبوسين في السجن، فإن السجن عقوبة لهم وإن لم يكن معه غلٌّ ولا قيدٌ قال: ويحتمل أنهم يعذبون أوّلاً وبعد ذلك يموتون يختلف حالهم في طول التعذيب بحسب جرائمهم وآثامهم ويجوز أن يكونوا متألمين حالة موتهم غير أنَّ آلامهم أخف من آلام الكفار؛ لأن آلام الكفار المعذبين وهم موتى أخفُّ من عذابهم وهم أحياء دليلُه قوله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ


(١) ذكره في مجمع الزوائد ١٠/ ٤٠٠.
(٢) "التذكرة" ١/ ٤١٢.