للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الجبار حيث يقول: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: ٤٠] ومع هذا كان يبكي كثيرًا ويقول: اْبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا. وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله.

وهذا الفاروق قرأ يومًا: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ {(٨)} [الطور: ٧، ٨] فبكى حتَّى مرض وعادوه وقال لولده في مرض موته: ويحك ضع خدي على الأرض عساه يرحمني، ثم قال: ويل أمي إن لم يغفر لي ثلاثًا ثم قضى رضي الله عنه مع ما فتح الله على يده من الفتوحات العظيمة وما كان عليه من الخيرات الجسيمة.

وهذا عثمان كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير.

وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه كان شديد الخوف وكان يخاف كثيرًا من طول الأمل واتباع الهوى وحشاه (١) ثم حشاه من ذلك.

وجميع أكابر الصحابة على هذا المنوال يخافون بلا قنوط.

والمقصود أن من زعم أنه حسن الظن بالله مع اْنهماكه في اللذات وانكبابه على المعاصي والشبهات وإعراضه عن الأوامر


(١) ورد في هامش الأصل: قوله: وحشاه ثمَّ حشاه، ولعله حاشاه بألفٍ بين الحاء والشين إذ ليس معناهما واحد فتأمل.