وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الندم توبة"(١) يعني معظم أركان التوبة الندم والبكاء الدائم.
وقيل: هي قود النفس إلى الطاعة بخطام الرغبة وردها عن المعصية بزمام الرهبة.
وقال ابن الجوزي في "التبصرة": التوبة ندم يورث عزمًا وقصدا.
وعلامة الندم طول الحزن على ما فات وعلامة القصد والعزم التدارك لما هو آت فإن كان الماضي تفريطًا في عبادة قضاها أو مظلمة أدّاها أو خطيئة لا توجب غرامة حزن إذا تعاطاها.
قَالَ: ومن علامات التائب أن يغضب على نفسه كما غضب ماعز والغامدية وأسلماها إلى الهلاك.
وهذا مثال وإلا فالأولى الستر على نفسه وأن تضيق عليه الأرض كما ضاقت على كعب بن مالك وصاحبيه فيستولي عليه الحزن والبكاء فيشغله عن اللهو والضحك.
وقال الغزالي في "منهاج العابدين": هي ترك اختيار ذنب سبق مثله عنه منزلةً لا صورةً تعظيمًا لله تعالى وحذرًا من سخطه.
ولها إذن أربع شرائط:
إحداها: ترك اختيار الذنب وهو أن يوطن قلبه ويجرد عزمه على أن لا يعود إلى الذنب البتة، فأما إن ترك الذنب وفي نفسه أنَّه ربما
(١) صحيح رواه أحمد ١/ ٣٧٦، ٤٢٢، ٤٢٣، ٤٣٣، والحميدي (١٠٥)، وابن أبي شيبة ٩/ ٣٦١، وابن ماجه (٤٢٥٢)، وأبو يعلى (٤٩٦٩)، وغيرهم من حديث ابن مسعود.