للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يترك منها شيئًا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة (١) إلا أتاها فهل لذلك من توبة؟ قال: "فهل أسلمت؟ " قال: فأما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وإنك رسول الله، قال: "تفعل الخيرات، وتترك السيئات يجعلهن الله لك خيرات كلهن" قال: وغدراتي، وفجراتي. قال: "نعم" قال: الله أكبر فما زال يكبر حتَّى توارى (٢)، قلت: وشاهده من كلام الله تعالى: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠].

واعلم أنَّ هنا بحثًا عظيمًا وهو هل السيئات تُمحى بالتوبة النصوح لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأتْبعِ السّيّئةَ الحسنةَ تمحُها" أو لا؟!، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] ويكون المحو لمجرد الإثم والمؤاخذة؟

قولان مشهوران أصحّهما عندي أنّ المحوَ لمجرد المؤاخذة وأنَّه لا بدّ له من التوقيف عليها يوم القيامة ليظهر له عظم منة الله عليه وأنه سبحانه يحول السيئة حسنة فيثيبه عليها هذا ما ظهرَ لي من زبدة بحث طويل فيه إجمال وتفصيل قد نبه عليه أجلاّء الفحول، وأثبتوا فيه الآثار والنقول والله أعلم بالصواب من ذلك لا رب سواه، ولا معبود إلا إياه.


(١) ورد في هامش الأصل: قوله: ولا داجة: أي ولا ظلمة. انتهى. قال ابن الأثير في النهاية: "ما تركت من حاجة ولا داجة إلا أتيت" هكذا جاء في رواية بالتشديد.
قال الخطابي: الحاجة القاصدون البيت والداجة الراجعون، والمشهور بالتخفيف، وأراد بالحاجة الحاجة الصغيرة وبالداجة الجاجة الكبيرة. أهـ.
(٢) أخرجه الطبراني في "الكبير" ٧/ ٣١٤ (٧٢٣٥).