للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الإمام ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين ومفتاح السعادتين": إذا تمكنت المحبة في القلب وامتلأ القلب منها أخرجت محبةُ الله سبحانه كل ما يكرهه الله:

فلم يبق في قلب المحب دقيقه ... سوى حب ليلى قد تمكن في القلب

فلو نطق الأعضاء نادت برسمها ... وسارت لحان الأنس والوصل والقرب

فيا حبذا لما تملكني الهوى ... رقيقًا وصار القلب معترك الحب

وفي الحديث: "فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصره به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها" (١) يعني: توليته فصار نظره وسمعه وبطشه ومشيه إنما هو لي وبي.

فاحذر أن تزل قدمك ويستولي عليك ندمك واحذر كل الحذر من كلام أهل الاتحاد والزندقة والإلحاد واعلم أن المحبة منتهى القربة والاجتهاد فلا يسأم المحبوب من طول القيام، وإدمان الصيام والذكر والتبتل والتوجه والتوسل فلا يسأم محبٌّ من ذكر محبوبه ولا ينفر طالبٌ من قرب مطلوبه.

يجتهد المحب في تحبيبه سبحانه إلى خلقه ويمشون بين عباده بالنصائح ويخافون عليهم من أعمالهم يوم تبدو الفضائح أولئك أولياء الله وأحباؤه وأهل صفوته وأعزاؤه فلا راحة لهؤلاء دون لقائه.

وذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله قال: نظر الله تعالى إلى داود عليه السلام وهو وحداني منتبذ قال: مالك وحداني، قال: عاديت


(١) أخرجه البخاري (٦٥٠٢)، وابن حبَّان ٢/ ٥٨، والبيهقيُّ في "سننه" ٣/ ٣٤٦.