للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمحبة الواجبة تقتضي مخالفة الهوى وإيثار ما يحبه ويرضاه على ما تشتهيه النفس وتهواه فإن الإناء إنما يصلح لشراب واحد لم يجعل الله لرجل من قلبين في جوفه فبقدر ما يدخل القلب من هم وإرادة وحبٍ يخرج منه هم وإرادة وحب فهو إناء واحد والأشربةُ متعددة فبأي شراب ملأه لم يبق فيه موضع لغيره.

وإنما ينبغي أن يمتلئ الإناء بأعلى الأشربة إذا صادفه خَاليًا فأمَّا إذا صادفه ممتلئًا من غيره لم يساكنه حتَّى يخرج ما فيه وها أنت وقلبك فاختر لنفسك ما يحلو:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبًا فارغًا فتمكنا

وقد أحسن من قال في هذا وبالغ في التحقيق لا كمن [قال] (١) هذا:

لقد كان يُسبى القلب في كل ليلة ... ثمانون بل تسعون نفسًا وأرجح

يهيم بهذا ثمَّ يألفُ غيره ... ويسلوهم من فوره حين يصبح

وقد كان قلبي ضائعًا قبل حبكم ... فكان بحب الخلق يلهو ويمزح

فلما دعا قلبي هواك أجابه ... فلست أراه عن جنابك يبرح

حرمت مُناي منك إن كنت كاذبا ... وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح

وإن كان شيء في الوجود سواكمُ ... يَقرُّبه القلب الجريح ويُشْرَح

وإن لعبت أيدي الهوى بمحبكم ... فليس له عن بابكم متزحزح

هوى غيركم نار تلظَّى ومحبس ... وحبكم الفردوس أو هو أفيح

فيا ضيم قلب قد تعلق غيركم ... ويا رحمةً مما يحول ويكدح


(١) زيادة من المحقق.