صراخ ميّت من خشخاشة وذلك أني كنت مع أجير لنا، يدعى حمدًا ناحية الجبّانة وكان قد دُفن رجل يقال له شحادة الهمشري، في خشخاشة في طرف الجبّانة، فلمّا دنوت من الجبّانة سمعته يتضجّر ويصيح تضجّر الذي يضرب بالسّياط، وأبْلغ وسمع ذلك أجيرنا أيضًا، ففزعت لذلك فزعًا شديدًا، وسمع ذلك من تلك الخشخاشة جماعة في مرّات متعدّدة، ومضى عليّ مدّة طويلة، لا أستطيع أن أهجم على الجبّانة، بسبب ذلك حتى مَن الله عليّ بقراءة القرآن، وذلك سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف وعمري إذ ذاك نحو سبع عشرة سنة (١)، ولله الحمد.
وذكر لي رجلٌ من أهل القرآن أنّه سَأَلَ حفّارًا عن أعجب ما رأى من أهوال القبور، قال: كشفت يومًا عن قبر، فرأيت فيه جثة إنسان، وفي وسط تلك الجثة عقرب عظيم، هاذا زبانه مثل المرود، وإذا به يَضربُ تلك الجثّة، فتنضمّ وتنطوي، فإذا قلع زبانه منها امتدّت كما كانت، وهكذا والرّجل الذي أخبرني اسمه محمّد، والحفّار اسمه عطا الله، وهذا سمعته منه سنة اثنتين وثلاثين على جبّانة، ولمّا رجعت من رحلتي في طلب العلم، سنة تسعة وثلاثين سألت ولد عطا الله عن ذلك فقال: وأنا والله سمعتُ ذلك من والدي، وهذا عندي غير متّهم، وهذا شيء قد عاينه الناس وتواتر وكثرت الحكايات فيه، وهو ممّا يجب الإيمان به، ولا ينكره إلّا ضال، ونعوذ بالله والله سبحانه أعلم.