للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتوفّى في يوم شديد الشتاء والبرد، فلم يستطيعوا أن يحفروا له قبرًا من شدة الثلج، فقالوا: نضعه في خشخاشة (١)، ففعلوا فنزل عليه رجل فسوّاه ثم خرج فلمّا كان بعد العشاء الآخرة، وأراد أن ينام تذكر أنّه كان معه صرة درا هم، وظن أنها إنما وقعت في الخشخاشة، فقال لأولاده، وكانوا ثلاثة أو قال اثنين: قومُوا بنا إلى الخشخاشة وذكر لهم الخبر، فقالوا: غدًا نذهب إليها فقال: بل الليلة لئلا تكون الدّراهم فيها، فننفضح غدًا، وأمّا الآن فإن لقينا الدراهم فبها ونعمت، وإلّا فلا أحد يعلم خبرنا، قال: فأخذوا أضواء وذهبوا إلى المحلّ ففتح الرّجل على الميت، فلقي القبر ملآن نارًا عليه، وإذا بالميّت جالس، وإذا بذكره ممدود، وإذا هو واضع رأس ذكره في فمه، ويخرج من فمه دخان منتن، والقبرُ يُضرمُ عليه نارًا، قال: فذهل الرجل وأولاده وصرخ بأهل بلده، فأتوا إليه ونظروا حالته، ولم يقدر الرجل أن يهجم على القبر، لينظر الدراهم لشدة النار.

قال: وهذه قصّة معلومة قد أخبرني والدي أنه ذكر هذا (٢) له جماعة من أهل تلك البلدة، ومن جملتهم الرّجل الذي ضاعت دراهمه، أو كلامًا هذا معناه والله أعلم بحقيقة ذلك.

ولقد سمعت أذناي ووعى قلبي؛ وعمري إذ ذاك نحو تسع سنين


(١) الخشخاشة: يبدو أنها كلمة عامية لما يشبه الجِراب الكبير أو التابوت مصنوع من أعواد النبات وجريد النخل، والله أعلم.
(٢) كلمة (هذا) ليست في (ب).