للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمّة، كانت الرسل تأتيهم بالرسالة، فإذا أبَوا كُفّت الرسل، واعتزلوهم وعُوجلوا بالعذاب، فلما بعث الله محمّدًا بالرحمة، أمسك عنهم العذاب، وأُعطي السيف، حتى يُدخلَ في دين الإسلام من دخل؛ لمهابة السّيف ثم يَرسخ الإيمان في قلبه، فمن هنا ظهر النفاق، فكانوا يُسرّون الكفر ويعلنون الإيمان، وكانوا بين المؤمنين في ستر، فلمّا ماتوا قيّض الله لهم فَتّانَي القبر ليستخرج أمرهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب (١)،

قلت: وما ذكره مردود من وجهين:

الأول: أنّ دعوى أن الرسل لم يكونوا يقاتلون، وأنهم إنما كانوا يأتون قومهم بالرسالة، فإذا أبَوا كَفّوا عنهم غير مُسلّمٍ إذ من المعلوم: أنّ الرسل كانت تقاتل على إعلاء كلمة الله، وقد أخبر الله بذلك في كتابه، في قصّة طالوت وأخبر النبيّ أنه أُحِلّت له الغنائم، ولم تحل للأنبياء قبله، وإنما كانت تأكلها النار، فهل الغنائم إلّا من قتال الكفار؟!

وأخبر الله في سورة المائدة: أنّ سيدنا موسى غزا العمالقة، وفي الخبر: أنه غزاهم، وكان فيهم بلعام بن باعوراء الذي أنزل الله فيه سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥)} [الأعراف: الآية ١٧٥]، وقصّته مشهورة، وهذه أخبار الإسكندر طافحة، وقتاله الملوك والقبائل، فعلى القول بنبوّته، ففيه دليل لما ادّعيناه، وفي التواريخ أن أوّل من


(١) "نوادر الأصول" ٣٢٣ - ٣٢٤.