للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقي عنده وصيف فسمعناهُ يقرأ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} [القصص: الآية ٨٣]. ما أنتم بإنس ولا جان. ثم خرج الوصيفُ، فأومأ إلينا أن ادخلوا، فإذا هَو قد قُبض (١).

ويكفي في ذلك قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣)} [الواقعة: الآية ٨٣] الآية وأما عصَرة القبر، حتى تختلف أضلاع بعض الموتى، فلا يَرده حس ولا عقلٌ ولا فطرة، ولو قُدِّرِ أن أحدًا نبش عن ميت، فوجد أضلاعه كما هي، لم يمتنع أن تكون قد عادت.

الأمر الخامس: أن النار التي في القبر ليست من نار الدنيا، فيشاهدها من شَاهَدَ نارَ الدُنيا، وإنما هي من نار الآخرة، وهي أشد من نار الدنيا، ولا يُحس بها أهلُ الدنيا فإن الله يُحمي عليه ذلك التراب، والحجارة التي عليه وتحته، حتى تكون أعظم حرًا من حَرِّ نار الدّنيا، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك، بل أعجب من ذلك أنّ الرجُلين يدفنان، فيكون أحدُهما إلى جنب صاحبه، وهذا في حفرة من حفر النار، لا يصل حرها إلى جاره، وذلك في روضة من رياض الجنَّة لا يصل نعيمها إلى جاره، وقدرة الرّبّ تعالى أوسع وأعجب من ذلك، ويفرش للكافر لوحان من نار يُشَعلُ عليه قبره بهمَا، كما يُشعل التنور.


(١) "حلية الأولياء" ٥/ ٣٣٥.