وقد ذكرنا فيما تقدم شيئًا من هذا، وسنذكر شيئًا منه فيما يأتي، إن شاء الله تعالى، وليس عند الملاحدة والزنادقة، إلَّا التكذيب بما لم يحيطوا بعلمه.
الأمر السادس: أنَّ الله سبحانه وتعالى يُحدث في هذه الدار، ما هو أعجب من ذلك، فهذا جبريل عليه السلام، كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتمثل له رجلًا، فيكلمه بكلام يسمعه، ومَن إلى جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يراه، وكذلك غيره من الأنبياء، وأحيانًا يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس، ولا يسمعه غيره من الحاضرين، وهؤلاء الجن يتحدثون ويتكلمون بالأصوات المرتفعة بيننا، ونحن لا نسمَعُهم.
وقد كانت الملائكة تضرب الكفار بالسياط، وتَضربُ رقابهم وتصيح بهم، والمسلمون معهم لا يَرونَهم ولا يسمعون كلامهم، والله سبحانه قد حجب ابن آدم عن كثير مما يحدث في الأرض، وهو بينهم وقد كان جبريل يقرئ النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدارسه القرآن، والحاضرون لا يسمعونه، وكيف يستنكر من يعرف الله سبحانه، ويقر بقدرته أن يحدث حوادث، يصرف عنها أبصار خلقه، حكمةً منه ورحمة بهم، لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها، والعبد أضعف بَصرًا وسمعًا، من أن يَثبت لمشاهدة عذاب القبر، وكثير ممن أشهده الله ذلك ضَعُف وغُشِّي عليه، ولم ينتفع بالعيش زمنًا، وبعضهم كُشف قناع قلبه فمات، فكيف يُنكر في الحكمة الإلهية مثل هذا؟ أليس هو الفاعل المختار؟