للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان أحدنا يمكنه توسيع القبر عشرة أذرع، ومائة ذراع وأكثر طولًا وعرضًا وعُمقًا ويستر توسعته عن الناس، ويطلع عليه من شاء أفيعجز رب العالمين أن يوسعه ما يشاء ويستر ذلك عن أعين الناس من بني آدم، فيروه ضيّقًا وهو أوسع شيء، وأطيبه ريحًا، وأعظمه إضاءة ونورًا وهم لا يرون ذلك وسر المسألة: أنّ هذه التوسعة والضيق، والإضاءة والخضرة، والنار ليس من جنس المعهود في هذا العالم، واللهُ سبحانه وتعالى، إنما أشهد بني آدم في هذه الدّار ما كان فيها ومنها.

أمّا ما كان من أمر الآخرة، فقد أسبل عليه الغطاء، ليكون الإقرار به والإيمان سببًا لسعادتهم، فإذا كُشف عنهم الغطاء صار عيانًا مُشاهدًا، فلو كان الميت بين الناس موضوعًا، لم يمتنع أن يأتيه الملكان، فيسألانه من غير أن يشعر الحاضرون بذلك، ويجيبهما من غير أن يَسمعوا كلامه، ويضربانه من غير أن يشاهد الحاضرون ضربه، وهذا الواحد منا ينام إلى جنب صاحبه، فيعذب النوم ويُضرب ويألم، وليس عند المستيقظ خبرٌ من ذلك البتة.

وقد قال لي يومًا بعض ضعفاء اليقين: أتمنى أن ينشر لنا ميت، فيخبرنا عن عذاب القبر ونعيمه، هل هو حق أم لا؟ فقلت له: أوَكنتَ تصدّقه، قال: نعم فقلتُ له: أليس تعلم أن محمَّدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بَلَى، قلتُ: فهل هو صادق في كُلّ ما أخبر به أمّ لا؟ قال: بلى. فقلتُ له: ويا سبحان الله! إذا كنت في شك من خبر المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، فكيف تصدّق إنسانًا يجوز عليه الكذب والصدق، والله يا رجل أنت جاهل بالله ورسوله، ففُحم،