للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك، وقالت: ما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إنهم ليسمعون الآن ما أقول، إنما قال: "لَيعلمون الآن ما كُنتُ أقول لهم إنه حق "، ثم قرأتْ قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: ٨٠] {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: الآية ٢٢] (١).

قال الحافظُ ابن رجب (٢): وقد وافَق عائشة على نفي سماع الموتى كلام الأحياء، طائفة من العلماء، ورجّحهُ القاضي أبو يعلى من أكابر أصحابنا في كتابه: "الجامع الكبير"، واحتجوا بما احتجت به وأجابوا عن حديث قليب بدر، بما أجابت به عائشة، وبأنه يجوز أن يكون ذلك، معجزةً مُختصَّةً بالنبى - صلى الله عليه وسلم -، دونَ غيره. وفي صحيح البخاري قال قتادة: أحياهم الله تعالى - يعني: أهل القليب - حتى أسمعهم قوله - صلى الله عليه وسلم - توبيخًا وتصغيرًا، ونقمة وحسرة وندمًا، وذهب طوائفُ من أهل العلم إلى سماع الموتى كلام الأحياء في الجملة.

قال ابن عبد البر (٣): ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم، وهم الأكثرون، وهُو اختيار الطبريّ - يعني: ابن جرير - وغيره، وكذا ذكرهُ ابن قتيبة وغَيره، وهؤلاء يحتجون بحديث القليب، كما سبق، وليس هُوَ وهمٌ ممن رواه، فإن عُمرَ وأبا طلحة وغيرهما، ممن


(١) ورد ذَلِكَ في البخاري (١٣٧٠) و (٣٩٧٩) و (٣٩٨٠)، ومسلم (٩٣٢)، وانظر فتح الباري ٣/ ٢٣٤ و ٧/ ٣٠٢ و ٣٠٤.
(٢) "أهوال القبور" ص ١٢٨.
(٣) التمهيد (٢٠/ ٢٤٠).