للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى محمد بن سعدٍ، عن خالد بن مَعدانً قال: لمَّا انهزمت الرُّوم يومَ أجنادين، انتَهوا إلى موضع لا يعبره إلَّا إنسان [إنسان]، (١)، فَجَعلَتِ الرُّوم تُقاتل عليه، فتقدَّمَ هِشامُ بنُ العاص، فقاتلهم حتى قتل، ووقَعَ على تلك التلة فسدّها، فلما انتهى المسلمون إليها، هابُوا أن يُوطئوه الخيل، فقال عَمرو بنُ العاص: إنَّ الله قد استشهده ورفع روحه، وإنَّما هُو جُثة، فأوطِئوه الخيلَ، ثم أوطأه هُوَ، وتَبعهُ الناسُ حتَّى قطَّعوه (٢).

فأجاب ابن رجب كغيره (٣): إنَّ هذه الآثار لا تدل على أن الأرواحَ لا تتصلُ بالأبدانِ بَعدَ الموتِ وإنَّما تدلُ على أن الأجساد لا تتضَّررُ بما ينَالُها من عذابِ النَّاس لها، أومن أكل التراب لها، وهذا حق، فإن عذابَ القَبر؛ ليسَ من جنس عذاب الدُنيا، وإنَّما هو نوعٌ آخرُ يصلُ إلى الميِّت بمشيئة الله عز وجل وقُدرته، وقولُهم: إن الأرواحَ عند الله تُعاقَبُ وتُثاب؛ لا ينافي أن تتصل بالبَدَن أحيانًا، فيصل بذلك إلى الجسد نعيمٌ وعذاب.

قال: وقد تُستقلُ الرُّوح أحيانًا بالنعيم والعذاب، إما عند استحالة الجسد، أو قبل ذلك، وأثبتت طائفةٌ النَّعيم والعذاب للجسد من غير اتّصال الروح به، ومِمَّن ذكر ذلك من أصحابنا: الإمامُ ابن


(١) ليست في (أ) والمثبت من (ب)، و (ط).
(٢) رواه ابن سعد في الطبقات ٤/ ١٩٣ والحاكم في المستدرك ٣/ ٢٦٧.
(٣) "أهوال القبور" ص ١٣٤.