للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرج عن عمر بن عبد العزيز أنه خرج مع جنازة، فلمّا دفنها قال لأصحابه: دعوني حتى آتي قبور الأحبة، قال: فأتاهم فجعل يدعو ويبكي، إذ هتف به التُرابُ فقال: يا عُمر: ألا تسألني عما فعلتَ بالأحبة؟ قالَ: وما فعلت بهم؟ قال: مَزقتُ الأكفان، وأكلتُ اللحم، وشدختُ المقلتين، وأكلت الحدقتين، ونزعت الكتفين من الساعدين، والساعدين من العضدين، والعضدين من المنكبين، والمنكبين من الصلب، والقدمين من الساقين والساقين من الفخذين، والفخذين من الورك، والورك من الصُلب، قال وعمر يبكي فلمّا أراد أن ينهض قال له التراب: يا عمر ألا أدلّك على أكفان لا تبلى؟ قال: وما هي؟ قال: تقوى الله والعمل الصالح (١).

ودخل ثابت البناني المقابر مرةّ، فبكى ثم قال: بليتْ أجسادهم وبقيت أخبارهم، فالعهد قريب، واللقاء بعيد.

ووقف بعض الأعراب على قبر وأنشد فى المعنى:

لِكُلِّ أُناسٍ مُقبر بفنائهم ... فهم ينقصونَ والقُبورُ تزيد

وما أن ترى دارًا لحيّ قَّدَ أقْفَرَت ... وقبرٌ لميت بالفناء جديد

فهم جيرة الأحياء أما محلهم ... فدانٍ وأما الملتقا فبعيد (٢)

وقال بعضهم: وقد مرّ في سَفره بمقبرة لبعضِ المدنِ


(١) رواه ابن أبي الدنيا في "الهواتف" (٤٢) بإسناد فيه مجهول، والخبر في "أهوال القبور" ص ٢٣٥.
(٢) رواه أبو نعيم في "الحلية" ٦/ ٢٤٥ - ٢٤٦.