للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مقبرة، فرأى قومًا يهربون من الشمس إلى الظل، فأنشدها وهي هذه:

من كانَ حينَ تُصيب الشمسُ جبهته ... أو الغبار يخافُ الشين والشعثا

ويألفُ الظلَّ كي تبقى شبابتهُ ... فسوفَ يسكنُ يومًا راغمًا جدثا

في ظلِّ مقبرة غبراء مُظْلمةٍ ... يُطيل تحتَ الزى في غمها اللُّبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به ... يا نفسُ قبل الردَى لم تُخْلَقي عبثا

وأخرج ابن أبي الدُنيا أن محمد بن واسع دخل على بلال بن أبي بردة فسأله عن القَدر، فقال له: جيرانكُ من أهل القبور فكر فيهم، فإن فيهم شُغلًا عن القَدر.

وقال مُغيث الأسود الزاهد: زوروا القبور كُل يوم تفكركم (١).

قال النصرُ بن المنذر لإخوانه: زوروا الآخرة في كل يوم بقلوبكم، وشاهدوا الموقف بتوهمكم، وتوسدوا القبور بقلوبكم، واعلموا أن ذلك كائن لا محالة، فمختارُ لنفسه ما أحب من المنافع والضرر (٢).

قال الحافظ: كانَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يقولُ في خطبته: أين الوضاءة الحسنةُ وجوههمُ، المعجبون بشبابهم، الذين كانوا لا يُعطون الغلبة في مواطن الحرب، أين الذين بَنَوا المدائن وحَصَّنوها بالحيطان، قد تضعضع بهم الدهر، وصاروا في ظلمات


(١) رواه أبو الشيخ في "العظمة" (٢٩)، وأبو نعيم في "الحلية" ١٠/ ١٤٣.
(٢) "أهوال القبور" ص ٢٣٨: ٢٤٢.