ربكم طول النسية، وحسن الطلب، فإن أخذه أليمٌ شديد حتى متى تبقى وجوه أولياء الله بين أطباق الثّرى؟ فإنما هم محبوسون لبقية آجالهم، حتى يبعثهم الله إلى جنته وثوابه.
وذكر ابن أبي الدنيا عن حامد بن أحمد بن أسد، قال: أخذت بيد علي بن جبلة يومًا فأتينا أبا العتاهية فوجدناه في الحمام، فانتظرناه فلم يلبث أن جاء، فدخل عليه إبراهيم بن مقاتل بن سهل وكان جميلًا فتأمله أبو العتاهية وقال متمثلا:
يا حسان الوجوه سوف تمو ... تون، وتبلى الوجوهُ تحت التراب
فأقبل على ابن جبلة فقال اكتبْ:
يا مربيّ شبابه للتُراب ... سوفَ يلهو البِلا بغضِّ الشباب
يا ذوي الأوجه الحِسانِ المصونا ... ت وأجسامها الغضاضُ الرطاب
أكثروا من نعيمها وأقلوا سوف تهدونها لعفر التراب
قد نعتكَ الأيام نعيًا صحيحًا بفراق الإخوان والأصحاب
فقال أبو العتاهية: قُل يا حامد: قلت معك ومع أبي الحسن قال نعم فقلتُ:
يا مقيمين ارحلوا للذهاب ... لشفير القبور حط الركاب
نعموا الأوجه الحسان فما صَوْ ... نُكمُوها إلَّا لعفر التراب
وألبسوا ناعم الثياب ففي الحف ... ـرِة تعرون من جميع الثياب
قد ترون الشباب كيف يموتونَ ... إذا استنضروا بماء الشباب (١)
قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن خلف قال: سمعت أبي قال:
(١) القبور ص ١٦١، "أهوال القبور" ص ٢٤٦.