للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم صفين خمسة وثلاثين ومائة وألف، وكان أهل العراق عشرين أو ثلاثين ومائة ألف، ذكره الزبير بن بكار بسنده عن محمد بن عَمرو بن العاص، وكان ممن شهد صفين وأنكى فيه وهو يقول:

فلو شهدتَ جمل مقامي ومشهدي ... بصفين يومًا شاب منها الذوائب

غداة أتى أهل العراق كأنهم ... من البحر لجٌ موجه متراكب

وجيناهم نمشي كأن صفوفنا ... شهاب حريق رفعته الجنائب

فقالوا لنا: إنا نرى أن تبايعوا ... عليًّا، فقلنا: بل نرى أن نضارب

فطارت إلينا بالرماح كماتهم ... وطرنا إليهم بالأكُف القواضب

إذا نحن قلنا: استهزموا عرضتْ لنا ... كتائب منهم وارتجحت كتائبُ

فلا هُم يولون الظهور فيُدبروا ... فرارًا كفعل الخادرات الدرائب (١)

قال ابن شهاب: فأنشدت عائشة رضي الله عنها هذه الأبيات فقالت: ما سمعت شاعرًا أصدق شعرًا منه، قال ابن دحية أبو الخطاب: قوله: بل نرى أنْ نضارب. أن: هنا مخففة من الثقيلة، محذوفة الاسم تقديره أننا نُضارب، وقوله كفعل الخادرات أي الأسود: يُقال أسد خادر كأن الأجمة له خِدر، فمعناه أنهم لا يُدبرون كالأسود التي لا تُدبر عن فرائسها؛ لأنها قد ضُريت بها ودربت عليها، والدربة الضَراوة، يقال: درب يَدْربُ ورفع الدرائب لأنها بدل من الضمير في يُدبروا هم قال ابن دِحية: والإجماع مُنعقد أن


(١) في (ب): (الذوائب) بدلًا من (الدرائب) ثم جاءت على الصواب بعدها باسطر.