للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ولع أهل الأدب في هذا المعنى؛ لأنَّ الدهر فوق نبال الحرمان لذوي الفطانة والرجحان، فمن ذلك قول بعضهم وقد أحسن للغاية:

أرى حُمرا تُروى وتأكل ما تَهوى ... وأسدًا جياعا تظمأ الدّهر لا تروى

وأشرافُ قوم لا ينالون قُوتهم ... وقومًا لئامًا يأكلوا المنّ والسّلوى

قضاء لجبَّارِ السموات سابق ... وليس على ردّ القضا أحدٌ يقوى

ومن عرف الدَهر الخؤون وعدله ... فيصبر في البلوى، ولم يظهر الشكوى

وأيقن أنَّ الرّزق لابدَ أن يجيء ... لميقاته فليصحب البرّ والتَّقوى

وقال الآخر:

لا خير في دهر تعزُّ لئامُه ... وبعكس ذي الأشياء تهان كرامه

وابن السفَاهَة إن تولى رتبة ... بين الملأ زادَ الكَلامُ كلامه

وهذا باب واسع جدًا ومن ذلك أي من الأمارات قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي على الناس زمانٌ الصابر على دينه كالقابض على الجمر" (١) رواه


(١) جاء في هامش الأصل ما يلي:
قوله الصابر على دينه كالقابض على الجمر، هذا كناية منه - صلى الله عليه وسلم - عن عدم المساعد والمعاون في الدين وقلة وفاء الخلق حين يكون المال والسعة للكع بن لكع وقد ولي الأمور السفلة فلا يُرى الفقير إلا بائسًا فهو في همِّ دينه وهَمِّ دنياه، فلا هو قادر على ما يعول أهله ليتخلى للعبادة، ولا الأمر منتظم له لينال مراده وَلعمرِ الله إن زماننا هذا موجود فيه وزيادة فيالله كم من ذي فطنة يقول:
ألا موت يباع فاشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم حتَّى ... يخلصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبرًا من بعيد ... وددت أنني مما يليه