للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَدَب؟ أما ندِم على كل ما جنى وارتكب؟ أما توقنون أنَّ طالبه لكم في الطلب؟ تدبّروا قولَ ناصحكم صدقَ أو كذَب؟ انتهى.

واعلم أن ذكر الموت يُوَرّثُ الاستشعارَ بالانزعاج عَن هذه الدار الفانية، والتوجه في كل لحظة إلى الآخرة الباقيةُ ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالتَي ضيقٍ وَسعَة ونعمة ومحنة، فإن كان في حال ضيق ومحنة فذكر الموت سَهّل عليه بعضُ ما هو فيه، إذ لا مصيبةَ إلا والموتُ أعظمُ منها وهو ذائقه ولا بدّ، أو في حال نعمة وسعة، فذِكر الموت يمنعه من الاغترار بها والركون إليها لتحقق عدم دوامها وذهابها عنه وانصرامها.

وما أحسن قول من قال:

اذكر الموت هادم اللذات ... وتجهز لمصرع سوف يأتي

وقول الآخر:

اذكر الموت تجده راحة ... في ادِّكار الموت تقصير الأمل

وَكَتَبَ عمر بن عبد العزيز إلى بعض أهل بيته أما بعد: فإنَّك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك، بغض إليك كل فانٍ وحبّب إليك كل باق (١).

وقال مجمع التيميّ: ذكرُ الموت غنى (٢).

وقال أبو نعيم: كان الثوري إذا ذكر الموت لا يُنتفَع به أياما،


(١) الخبر في "سير أعلام النبلاء" ٥/ ١٣٨.
(٢) "حلية الأولياء" ٥/ ٩٠. وانظر ترجمته في "المعرفة والتاريخ" ٣/ ٩٥، و"صفة الصفوة" ١/ ٧٠.