ولكن: يُغربهما في مغاربهما اللّذان في باب التوبة، فإنَّ الله خلقَ بابَ التوبة، فهو من أبواب الجنة، لهُ مصراعان من ذَهب مُكلَّلًا بالدُّرِ والجوهر، ما بين المصراع إلى المصراع: مسيرة أربعين عامًا للرَاكب المسِرع، فذلك البابُ مفتوحٌ منذُ خَلقَ اللهُ خلقَه إلى صبيحةِ تلكَ اللَّيلة عند طلوع الشمس والقمرِ منْ مغاربهما، ولم يَتُب عبد من عباد الله توبةَ نصوحَا، من لدُن آدمَ إلى ذلك اليوم، إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترتفع إلى الله.
قيل: أي قال معاذ: يا رسول الله: وما التوبة النصوح؟ قال:"أن يَنْدمَ العبدُ على الذنب الذي أصاب فيهرُبُ إلى الله منه، ثم لا يعودُ إليه حتى يعودَ اللّبن في الضرع"، قال:"فيُغربهما جبريل في ذلك، ثم يردُ المصراعين، فيلتئم ما بينهما، ويصيران كأنهما لم يكن فيهما صالح قط، ولا خلل فإذا أغلق بابُ التوبة لم يقبل لعبد بعد ذلك توبة، ولم ينفعه حسنة يعملها بعد ذلك إلا ما كان يجري لهما قبل ذلك، فذلك قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} "[الأنعام: ١٥٨] الآية فقال أُبيّ بنُ كعب: يا رسول الله فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك وكيف بالناس والدنيا؟ قال: "إنَّ الشمسَ والقمر يُكسَيان بعد ذلك ضوء النور، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك، وأمَّا الناسُ فإنَّهم حيث ما رأوا: رأوا من تلك الآية وعظمها يلحون على الدنيا فيعمرونها ويجُرون فيها الأنهار، ويغرسون فيها الأشجار، ويبنون فيها البنيان، وأمّا الدُّنيا فلو نتج رجل مُهرًا لم يركبه، حتى تقوم الساعة من لَدُن