للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك والله إلا الأكفان، بل هي للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال، فهلا أنقذك من الأهوال! كلا بل تتركه إلى من لا يحمدك، وقدِمْتَ بأوزار على من لا يعذُرك.

وقد فسّر بعضُهم قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القَصَص: الآية ٧٧] بالكفن. قال القُرطبي: فهو وعظٌ متصل بما تقدم من قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} [القصص: الآية ٧٧] أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة، وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة؛ لا في الطين والمال والتجبر والبغي، فكأنه قال لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.

وما أحسن قول القائل:

هي القناعة لا تبغي بها بدلا ... فيها النعيم وفيها راحة البدن

انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن (١)

واعلم أن مما يُعين على تذكر الموت زيارة القبور كما في حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة" (٢).


(١) "التذكر" ص ٢٤.
(٢) رواه مسلم (٩٧٦) (١٠٨) ولفظه: "فزوروا القبور فما تذكر الموت". أما اللفظ المذكور فهو لحديث ابن مسعود عند ابن ماجه (١٥٧١) انظر ص ٣٨١ ت (٢).