للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما هذه الجبال التي حولك، قال: هي عُروقي وليسَتْ مدينة، إلاّ وفيها عرق منها، فإذا أراد الله تعالى أن يُزلزل مدينة، أمرني فحركت عرقي ذلك فتزلزلت تلك المدينة.

وأخرجَ أبن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خلقَ اللهُ تعالى جَبَلًا يُقالُ له: قاف محيطًا بالأرض وعروقُه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد اللهُ تعالى أن يزلزل قريةً أمر ذلك الجبل، فيحرك العِرقَ الذي يَلي تلك القرية فيُزلزلُها ويحركها، فمن ثَمَّ تحرّكُ القريةُ دون القرية (١). والله أعلم.

الأمر الثاني: فيما يُصيبُ الجبال وقد جاء في ذلك آيات منها قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)} [الواقعة: ٥] أي: فُتِّتَتْ فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول. وقال الكلي معني بُسَّت أي: صُيّرت على وجه الأرض (٢)، وقال مُجاهد لُتت لَتا وقال الحسن: قُلعتْ من أصولها فذَهَبت. واختلفَ المُفسرون في تفسير الهباء فقال ابن عبّاس: إنَّهُ ما يُرى في شعاع الشمس في الصورة اللطيفة حين تدخل الكُوة (٣)، وقيل: الرمادُ يطير من النار، إذا اضطرمت فماذا وقع لم يكن شيئا، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: ١٤] فسر الثعلبي الكثيبَ بالرمل المجتمع، والمهيل بالسَّيال المتناثر إذا مسه


(١) العقوبات (٢٢) رواه أبو الشيخ في "العظمة" ص: ٤٢٢، عبد الرزاق (٢/ ٢٣٦).
(٢) انظر: "تفسير البغوي" ٨/ ٧ - ٨.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ١١/ ٦٢٥.