للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم تُبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "في الظلمة دونَ الجسر" (١).

قال العلامة: هذا حاصل ما قاله كُلٌ من الفريقين.

ووجه الجمع بين القولين: ما أشار إليه صاحبُ "الإفصاح" من أنه لا تعارُضَ بينَ هذه الآثار فإنَّ الأرض والسموات تُبدَّل مرتين الأولى: أنَّه سبحانه يغير صفاتها قَبل نفخة الصعق، فتنتشرُ كواكبها وتكسف كسها وقمرها، وتصيرُ كالمُهل، ثم تكشط عن رؤوسهم ثم تسيرُ الجبالُ، ثم تموجُ الأرض ثم تصيرُ البحارُ نيرانًا ثم تنشق الأرضُ من قُطرٍ إلى قطر، فتصيرُ الهيئة غير الهيئة والبنيةُ غير البنية، ثُمَّ إذا نُفخَ في الصورِ نفخةَ الصعق طُويتِ السماء ودُحيت الأرضُ، وبُدّلتِ السماء سماء أخرى، وهو قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: ٦٩] وبُدلت الأرض وتمدُّ مَدَّ الأديم العكاظي، وأعيدت كما كانت، فيها القبورُ والبشرُ على ظهرها، وفي بطنها، وتُبدَّلُ الأرضُ تبديلًا ثانيًا، وذلك إذا وقفوا في المحشر، فتبدَّلُ لهم الأرضُ التي يُقالُ لها الساهرة، يحاسبون عليها، وهي أرضُ عَفراء وهي البيضاء من فضة، لم يُسفك عليها دم حرام قط، ولا جرى عليها ظلم قط، وحينئذ يقومُ الناس على الصراط، وهو لا يسمعُ جميعَ الخلائق، صمان كان قد يُروى (٢) أن مسافته ألف ممنة صعودًا وألف سنة هبوطًا،


(١) رواه مسلم (٣١٥)، والحاكم ٣/ ٤٨١، وابن حبان (٧٤٢٢)، وابن جرير (١٣/ ٧٣٨، ٧٣٩).
(٢) القرطبى في التذكرة (٢١٥) سيأتي في ص ٨٨١ ت (٢).