للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: الأمر دائر أنه يذهب بهما إلى أحد شيئين إمّا إلى النار وإمّا إلى العرش، وأما البحرُ فإنه داخل في النار على رأي من زعم أنه النار، أو يصير نارًا ويضافُ إلى النار وأمّا الحجب فإنَّها داخلة في كونهما يُكوّران، ويُذهبُ بهما إلى العرش، فإنا نعني بالحجب هي ما دون العرش، فظهر ما قلنا أنه يُذهَبُ بهما إمّا إلى العرش، ولا فرق بين أن يُكَوّرا ويدخلا فيه، أو يُدخلا في نور حجبه أو إلى النار.

والجمعُ بين القولين: بأن يُكوّرا في النار أولا؛ ليراهما من عَبدهما من دون الله تبكيتا لهم، وصغارًا وهوانا ثم يذهب بهما إلى العرش، هذا ما يظهر والله أعلم. وقد أشار إلى بعضه في البهجة.

وذكر الإمام المحقق ابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة" (١): أنه أجتمع جماعةٌ من الكبراء والفضلاء يومًا فقرأ قارئ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣)} [التكوير: ١، ٢، ٣] حتى بلغَ {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤)} [التكوير: ١٤] وفي الجماعة الإمام أبو الوفا ابن عقيل، فقال له قائل: يا سيدّي: هب أنه نُشر الموق للبعث والحساب وزُوِّج النفوس بقرنائها للثواب والعقاب، فما الحكمة في هدم الأبنية وتسيير الجبال، ودك الأرض، وفطر السماء، ونز النجوم، وتخريب هذا العالم وتكوير شمسه، وخسف قمره؟ فقال الإمام ابن عقيل على البديهة: إنما بناء لهم الدار للسكنى


(١) (٣/ ١٨٢).