للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ناصر السّنّة الحافظ ابن الجوزي في "تبصرته": كان داود عليه السلام إذا ذكر الموت والقيامة بكى حتى تنخلع أوصاله (١)، فإذا ذكر الرّحمة رجعت إليه نفسه.

وفي التبصرة أيضًا عن المزني أنه قال: دخلت على الشافعي في مرض موته فقلت: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحتُ من الدنيا راحلًا، وللإخوان مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيا، وبكأس المنيّة شاربا، وعلى الله واردا، فلا أدري: أروحي تصيرُ إلى الجنَّة فأهنّيها، أم إلى النار فأُعزّيها؟ (٢).

ثم أنشأ يقول:

ولمّا قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلتُ رجائي نحو عفوك سلّما

تعاظمني ذنبي فلما قرنتُه ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما

وما زِلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو مِنّة وتكرما

فحسن الظنّ بالله سبحانه وتعالى واجب؛ لاسيمّا عند الموت. فانظر: كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه، كيف قال في حال احتضاره: تعاظمني: أي: عظم في عيني وكبر ذنبي. لأن دأب المؤمن أن يرى ذنبه عظيمًا كبيرا، ويرى عمله قليلًا حقيرا. فلما رأى الإمام -رضي الله عنه-: أن ذنبه في عينه عظيم، وكبر ذلك


(١) في "ط" أي عظامه.
(٢) رواه البيهقي في "الزهد الكبير" ٢/ ٢٢٢، وأورده الذهبي في "السير" ١٠/ ٧٥، وليس عندهما الأبيات، وهي في "صفة الصفوة" لابن الجوزي ٢/ ١٧١ و"التبصرة" له ١/ ٢١٧. والأبيات في "ديوان الشافعي" ص ٧٨.