للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مرآهُ قَرَنهُ بعفو الله ورحمته، فرآه صغيرًا بالنسبة إلى عفو تلك الحضرة الإلهية، ورحمة تلك العزة الصمدانية، فلذا قال: فلما قرنته -يعني ذنبي- بعفوك ربي -أي يا ربي- كان عفوك من ذنبي أعظما، بل ذنبي بالنسبة إلى عفوك لا يبلغ قطرة من بحرٍ لجيٍّ. فهذا دَأبُ السلف أن يخافوا ذنوبَهم، ويرجوا رحمةَ ربّهم ومعبودِهم.

ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن" (١) الحديث.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يموتَن أحدكم إلا وهو حَسِنُ الظنِّ بربه" (٢) وكان ذلك قبل موته بثلاثة أيام. فإن أشدّ الشدائد عند الموت، عدم حسن الظن بالله، وربّما أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله فيهلك، ورُبّما غاب عن حواسه فخرجَتْ رُوحُه وهو يَظنُ بالله الظنون السّيّئة.

ولخوفِ هذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "احضروا موتاكم، ولقنوهم لا إله إلا الله، وبشروهم بالجنة، فإن الحكيم العليم من النساءِ والرِّجال يتحير عند ذلك المصرع، وإن إبليس عدوّ الله أقرب ما يكون من العبد في ذلك الموطن عند فراق الدنيا، وترك الأحبة، ولا تقنطوهم فإن الكرب شديد، والأمر عظيم، والذي نفس محمدُ بيده لمعالجة مَلَك الموت أشدُ من ألف ضربة بالسيف، وما من ميّت يموت إلا كل عِرق منه يألم على حدته" (٣).


(١) تقدم تخريجه ص ٤٠ ت (٣).
(٢) تقدم تخريجه ص ٤٠ ت (٢).
(٣) حديث: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" رواه مسلم (٩١٦) من حديث أبي سعيد =