للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبارةِ، وأمّا العقل: فَإنّ كلّ إنسانٍ يعلم أنّ الكبرَ مذمومٌ وأنّ صاحبه من الأجرِ محروم، ومن ثم قال بعض الفضلاء: الكبر، والخيلاء يكسيان الرذائل، ويسلبان الفضائل، وقالَ الأحنف بن قيسُ: ما تكبّر أحد إلاّ مِن ذلّةٍ يجدها في نفْسه، ورأى أفلاطون رجلاً يختال في مشيته، فقال: جعلني اللهُ مثلك في نفسك، ولا جَعلني مثلك في نفسي، وقال الأحنف بن قيس: عجبتُ لِمَن خرجَ منْ مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟! ومرّ بعضُ أولادِ المهلب بمالك بن دينار وهو يختال في مشيته، فقال له مالك: يا بنيّ لو تركت هذا الخيلاء لكان أجمل لك، قال: أوما تعرفني؟ قال: أعرفك معرفةً جيدة أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة، وبين ذلك تحمل العذرة، فأحْنى الفتى برأْسِه، وكفّ عمّا كان عليه.

والكبرُ يوجب المقتَ، ومَن مقته رجاله لمْ يستقم حاله، وقيل: لا يتكبّر إلا كلّ وضيع ولله در القائل:

قولا لأحمق يلوي التيه أجذعه ... لو كنت تعلم ما في التيه لم تته

التيه مفسدة للدِّين منقصة ... للعقل مهلكة للعرض فانْتبه

وقال الآخر:

تواضعْ إذا ما كان قدرُكَ عاليًا ... فإنَّ انخفاض المرءِ من شيمة الفضل

وَلا تعجبن مِنْ عَالم متواضعٍ ... يخاطبه طفلٌ فيصغي إلى الطفل

فإنّ رسولَ اللهِ كلَّم نملةً ... وإن إله العرشِ أوحى إلى النَّحْل

ولسْنا بصددِ الكشفِ عنْ قبائح الكبرِ، ولكن ذكرنا ما ذكرنا للمناسبةِ، والشيء بالشيء يذكر، والله سبحانه وتعالى أعْلم.