وقال تعالى: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١)} [الانشقاق: ١١] سعيرا أي: يدعو بالويْل والثبور، ويصْلى حرَّ السعير وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦)[الحاقة: ٢٥ - ٢٦] يتمنى إذْ ذاك أنْ لا يؤتى كتابه لمَا فيه من العظائم والقبائح، ويودّ أنْ لا يدْري ما حسَابه لمَا يلقى منْ شدةِ الخجلِ، وبروزِ الفضائح فنسألُ الله العظيم أنْ يسددنا، ويوفقنا لما يرضيه عنّا. لو تفكرت النُّفوسُ فيما بينَ أيديها أو تذكرتْ حسابَها فيما لهَا، وعليها لبعث حزنها بريد دمعها كل وقت إليها فيا لله العجب من جد عند الأنفسِ كالهزلِ ولقدْ أحسنَ من قال:
وأنتَ على ما أنْتَ فيه مقصر ... ولا مقلع عمَّا عليْكَ يُحَرُّم
كأنكَ في يومِ القِيامةِ آمِنٌ ... إذَا برزت للمُجْرمين جهنّم
فلا تغتر بالعمر إن طْالَ واعْتبرْ ... فإنكَ لا تدْري متى يتَصَرَّمُ
وتسكن بيتًا غيرَ بيتِكَ مظلمًا ... وما فيه مشروبٌ ولا فيه مَطعَمُ
وتتركُ ما قدْ كنتَ فيه محكما ... وغيرك فيه لو علمت المحكم
وتأتي غدًا منْ بعد يسرك معسرا ... وما لك دينار ولا لك درهم
فإنْ كنتَ قد قدّمت من قبل صالحًا ... فإنك مِنْ هولِ القيامة تسْلم
فكنْ مقلعًا وارْجعْ إلى اللهِ واغْتنم ... بقاك في الدُّنيا فمحياكَ مغنم
أما يحق البكاء لمن قد مضى زمانه، أما يحق البكاء لمن قد ذهبَ أوانُه، أما يحق البكاء لمن طالَ عصيانه؟! نهاره في المعاصي فقدْ زادَ خسرانُه، وليله في الخطايَا فقد خفَّ ميزانُه، وبينَ يديه الحشر العنيف