وإنْ تكن الأخرى فإنك قائل .... ألا ليتني لم أوته فهو مغرم
ولعمري إنّ المقام بتلكَ المحال، والزحام بين النساء والرِّجال، وقد اشتد الزّحام، وطالَ المقام، وصفت الأقْدام، وجمع الخاص والعام، إنَّه لمن المصائبِ العظام، والنوائبِ الجسام، وحريٌّ من صور نفسَه في ذلك الجمع الغفير أنْ يتركَ الطعام، ولذيذَ المنام، ويتشبث بذيالِ المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فيا مَنْ غفلَ عن آخرته حَتَّى اشتعلَ الرأس شيبًا، وحال سواد لمته، تذكر وقوفك بين يدي الله عريانا وقد ضاقَ بك الفضاء، ونزلَ بكَ مرّ القضاء، وظهرت جرائمك على رءوسِ الأْشهادِ، ونودي ها فلان قدْ خسرَ، وخاب، وسلك به غير طريق العبادِ، فيا لها من خجلة ما أعظمها بين يدي الجبار، فحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل، ولقد كنت قلتُ في هذا المعنى مستغيثًا بالنّبي - صلى الله عليه وسلم - من هولِ ذلك، وأشكو لهُ مِنْ أسبابِ تلك المهالك:
إليكَ أشكو رسول اللهِ (١) مِنْ وجلي ... نأى شبابي سُدًى واحتاط بي أجلي
(١) الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق؛ فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالاستغاثة والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء المرضى، وتفريج الكُرُبات، ودفع الضر، فهذا نوع غير جائز، وهو شرك أكبر، وقد كان زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - منافق يؤذي المؤمنين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه لا يُستغاثُ بي، وإنَّما يستغاث بالله" فنهى - صلى الله عليه وسلم - أن يُستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته؛ حمايةً لجانب التوحيد وسدًا لذرائع الشرك، وأدبًا وتواضعًا لربه، وتحذيرًا للأمة من وسائل الشرك، في الأقوال والأفعال؛ فإذا كان هذا فيما يقدر عليه =