للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول النَّاسِ يقضى يومَ القيامة عليه رجلٌ استشهدَ، فأتى بهِ فعَرَّفه نعمهُ فعرَفها قال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلتُ فيكَ حَتَّى استشهدْتُ. قال: كذبتَ، ولكنَّكَ قاتلتَ حَتَّى يقال إنكَ جريء فقدْ قِيل، ثمّ أمر به فسحبَ على وجهه حَتَّى ألقي في النَّارِ، ورجلٌ تعلَّم العلمَ، وعلَّمَهُ، وقرأ القرآنَ فأتي به فعرَّفه نعمه فعرَفها. قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلمَ، وعلمتُهُ، وقرأت فيك القرآنَ. قال: كذبت، ولكنّكَ تعلمتَ العلم ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثمّ أُمرَ به فسحب على وجهه حَتَّى ألقي في النار، ورجلٌ وسّعَ اللهُ عليه، وأعطاه من أصنافِ المالِ كلِّه فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيلٍ تحب أنْ ينفقَ فيها إلا أنفقتا فيها لك. قال: كذبتَ، ولكنَّكَ فعلتَ ليقال هو جوادٌ فقد قيل، ثم أمِرَ به فسحب على وجهه حَتَّى ألقي في النَّار" (١).

قال الحافظ ابن رجب في كتابِه "شرح الأربعين النووية": لمّا بلغَ معاوية هذا الحديث بكى حَتَّى غشي عليه فلمّا أفاقَ قال: صدقَ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود: ١٥، ١٦] انتهى (٢).

فدلّ هذا الحديث الشريف أنَّ أوّل مَنْ يحاسب هؤلاء الثلاثة


(١) صحيح مسلم (١٩٠٥)، وهو عند الإمام أحمد ٢/ ٣٢١.
(٢) "جامع العلوم" ١/ ٧٧.