للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، ولاح له البرهان، فانظرْ في حال النملة كيف تحمل قوتها وتدخره لزمن الشتاء؟! وانظر إلى النحلةِ تجد أمرًا يذهل العقول فإنَّها تجني من الأنوارِ والأزهار، وتتنزه عن النجاسات والأقذار، وتطيع لواحد من جملتها وهو أكبرها شخصًا وهو أميرها، ثم انظر إلى ما ألهمهَا الله مِنَ العْدلِ، والإنصاف فإنَّ كبيرها يقتل كلّ من وقعَ على نجاسة، أو خالفَ أمرًا أمر به، ثمَّ تأمل في بنيانها بيتها من الشمع، واختيارها الشّكل المسدس؛ لأنَّه أوسعُ الأشكالِ، وأحواها وكم في ذلك من حكمةٍ تدق على فهم كلّ ذي فهم.

وروى أبو نعيم (١) عن ابن مسعود رَضي اللهُ عَنْهُ قال: كنت عند كعب الأحبار وهو عند عمر بن الخطاب رَضي اللهُ عَنْهُ فقال كعب: يا أميرَ المؤمنين ألا أخبرك بأغرب شيء قرأتهَ في كتب الأنبياء عليهم السّلام أنَّ هامة جاءت إلى سليمان بنِ داود عليهما السلام فقالت: السّلام عليك يا نبي اللهِ فقال: وعليكِ السّلام يا هامة أخبريني كيف لا تأكلين من الزرع؟ قالت: يا نبي اللهِ إنّ آدم أخرج مِنَ الجْنةِ بسببه فقال: فكيف لا تشربين الماء؟ قالت: [لأنَّ الله أغرق] (٢) قوم نوح فيه فمن أجل ذلك لا أشربه فقال لها سليمان: كيف تركت العمران، وسكنت الخراب؟ فقالت؛ لأنَّ الخرابَ ميراثُ اللهِ فأنا أسكن ميراثَ اللهِ قال الله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ


(١) "الحلية" (٥/ ٣٩١).
(٢) في "الحلية": لأنه غرق فيه.