الحساب، وأنّه لابد أنْ يقتص للمظلوم من الظالِم وقال الأستاذ أبو إسحق الإسفراييني: يجري القصاص بينها، ويحتمل أنها كانتْ تعقل هذا القدر فى دار الدنيا.
قال ابن دحية: وهذا جار على مقتضى العقل والنقل؛ لأنَّ البهيمة تعرف النفع والضر فتفر من العصا، وتقبل للعلف، وينزجر الكلب إذا زجر، وإذا انشلى استشلى، والمطير والوحش تفر من الجوارح استدفاعًا لشرها. فإنْ قيل: القصاص انتقام، والبهائم ليستْ مكلفة، فالجواب أنها ليستْ بمكلفة لكن الله تعالى يفعل في ملكهِ ما أراد كما يسلط عليهم في الدّنيا التسخير لبني آدم، والذبح لما يؤكل منها، ولا اعتراض عليه سبحانه، وأيضًا فإن البهائم إنَّما يقتص لبعضها من بعض لا أنها لا تطالب بارتكاب نهي ولا مخالفة أمرٍ لأنّ هذا ممَّا خصَّ اللهُ به العقلاء.
ولمَّا كثر النّزاع في ذلك وكان فيه نوع إشكال على العقولِ نظرنا فإذا هو سبحانه وتعالى يقول:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: ٥٩] فنظرنا في القرآن فإذا فيه {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)} [التكوير: ٥] والحشر هو الجمع كما مر ونظرنا في السّنة فإذا هي مشحونة من الأخبار الصحيحةِ، والآثار الصريحة في ذلك ممَّا ذكرناه آنفًا فتحققنا أنَّ الحق الذي لا محيد دنه هو القول بما صرحت به السنة الغراء ولا التفات لِمَنْ خالفها.
قُلْتُ: وإذا تأمل العاقل في أحوالِ الحيوان انكشف له عن حقيقة