للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا فيه شعرتان بيضاوان، فأخبرتها، فارتاعت، وقالت: أرني فأرْيتُها فقالت: جاء الحقُّ وزهقَ الباطل، اعلم أنّي لو لم تفترضْ عَليَّ طاعتك لما أويت إليك، فدع لي ليلي أو نهاري لأتزوَّدَ فيه، لآخرتي فقلت: لا، ولا كرامة. فَغَضِبَتْ وقالت: تحول بيني وبين ربي، قد آذنني بلقائه، اللهمَّ بدّل حبّه لي بغضًا، قال: فبتُ وما شيء أحبّ إليّ من بُعدِها عنّي، وعرضتُها للبيع، فأتاني مَن أعطاني فيها ما أريد فلما عزمتُ على البيع بكت، فقلتُ: أنتِ أردتِ هذا. فقالتْ: واللهِ ما اخترتُ عليكَ شيئًا من الدُّنيا، هل لك إلي ما هو خير من ثمني. قُلتُ: وما هو؟ قالتْ: تعتقني لله عزّ وجل فإنه أملك لك، وأعود عليك منك علي. فقلتُ: قد فعلتُ. فقالت: أمضى الله صفقتك، وبلغَّك أضعاف أملك. فتزهّدتُ وبغضت إليَّ الدنيا ونعيمها (١).

قال القرطبي: وفي الإسرائيليّات أن إبراهيمَ الخليل عليه الصلاة والسلام لمّا رجع من تقريب ولده إلى ربّه عزّ وجل، رأت سارة في لحيته شعرة بيضاء، وكان -عليه السلام- أوّل من شاب فأنكرتها، وأرته إياها، فجعل يتأمَّلهُا وأعجبته، وكرهتها سارة وطالبته بإزالتها، فأبى وأتاه ملك فقال: السلامُ عليك يا إبراهيم، وكان اسمه أبرم فزاده في اسمه هاء والهاء في السريانية للتفخيم، والتعظيم ففرحَ بذلك وقال: أشكر إلهي وإله كل شيء. فقال له


(١) "التذكرة" ص ٦٤ - ٦٥.