للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرج ابن جرير عن أبي موسى الأشعري رَضي اللهُ عَنْهُ: "يدعى الكافر والمنافق للحساب، فَيعْرِضُ عليه ربُّهُ عَمَلَهُ فيجحد، ويقول: أي رب، وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملَك: أما عَمِلتَ كذا في يوم كذا في مكان كذا فيقول: لا وعزتك. فإذا فعل ذلك ختم على فيه". قال أبو موسى: فإنّي أحسب أوّل ما ينطق منه فخذه اليمين، ثمّ تلى (١) {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)} [يس: ٦٥].

وأخرج الإمام أحمد عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "تجيئون يومَ القيامة على أفواهكم الفدام (٢)، وإنَّ أوّل ما يتكلم من الآدمي فخذه" (٣) فهذا الحديث لم يبين أيّ فخذي المرء ينطق أوّلا، والذي قبله: "إنّ أوّل ما ينطق من الإنسان فخذه اليمين، والذي قبله الشمال"، ولعل ذلك يختلف باختلاف الأشخاصِ على أنّ حديث عقبة جزم بأنَّ أوّل ما يتكلم من الإنسان فخذه من الرِّجل الشّمال، وحديث أبي موسى لم يجزم بل قال: أحسب، وأيضًا حديث عقبة صرح برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا كذلك أبي موسى نعم هو في حكم المرفوع إلا أنَّ حديث عقبة مقدم هنا على حديث أبي موسى لما ذكرنا، ولم أدر ما حكمة نطق الفخذ أولا والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصوّر نفسك أيّها المغرور في ذلك المقام وتأمل في حالتك إذا


(١) رواه الطبري في تفسيره (٢٩٢١٢)، ورجاله ثقات، رجال الشيخين.
(٢) الفدام: هو ما يربط به الفم.
(٣) أخرجه أحمد ٤/ ٤٤٦ (٢٠٠١١)، والطبراني في الكبير ١٩/ ١٠٣٨.