للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكثيرة بالأسانيد الصحيحة في هذا الباب (١) والمعروف عن ابن عباس خلاف ما ذكره ابن جبير عنه أخرج أبو الشيخ (٢) في تفسيره من طريق الكلبي عن ابن عباس رَضي اللهُ عَنْهُما قال: "الميزان له لسان وكفتان".

فالحاصل أنَّ الميزانَ محمول على الحقيقة وأنَّه واحد وأنَّ الموزون صحائف الأعمالِ فإنْ قيل: قد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رَضي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القَيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة" (٣) فقد صرح بأن نفس الإنسان هو الموزون.

فالجواب: إن هذا ضربه - صلى الله عليه وسلم - مثلا للذي يغتر ببعض الأجسام وهو كناية عن قلة اكتراث الله بالأجسام، فإن اللهَ لا ينظر إلى صوركم وإنَّما ينظر للأعمال والقلوب، فكم من جسم وسيم وهو من أصحاب الجحيم. ومن ثمَّ وَرَدَ "ما أفلح سمين" يروى أنه من كلام سيدنا الإمام الشافعي (٤). قال: ما أفلح سمين إلا محمد الباقر. لأن السمن في الغالب إنما ينشأ عن غفلة القلب، وعدم التفكر في أحوال الدَّنيا والآخرة والعاقل لا ينفك في هذه الدار عن توارد الأخبار والتفكر فيما يقوم بأوده في هذه الدار وما يتزود به لتلكَ الأسفار ومن كانت حالته هذه فأنَّى له بالسمن فنسأل الله العافية.


(١) ذكره الفخر في "تفسيره" ١٤/ ٢٦٠٢٥.
(٢) ذكره في "الدر" في تفسير آية (٧) الأعراف، ويؤيده أثر الحسن عند اللالكائي (٢٢١٠) و"زاد المسير" (٣/ ١٧١)، و"فتح الباري" (١٣/ ٥٣٩).
(٣) رواه البخاري برقم (٤٧٢٩) كتاب: التفسير، ومسلم برقم (٢٧٨٥) كتاب: صفة القيامة والجنة والنار.
(٤) انظر "سير أعلام النبلاء" للذهبي ١٠/ ٩١ ترجمة الشافعي.