قال المخالف: فلو كانت الجنةُ مخلوقةً مفروغًا منها لم تكن قيعانًا، ولم يكن لهذا الغراس معنى وقد قال تعالى حاكيًا عن امرأة فرعون أنَّها قالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}[التحريم: ١١] ومحال أن يقولَ قائلٌ: لِمَنْ نسجَ ثوبًا أو بنى له بيتًا: انسجْ لي ثوبًا، وابن لي بيتًا. وأصرح من هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بنى للهِ مسجدًا بنى اللهُ له بيتًا في الجنةِ" متَّفقٌ عليه (١). وهذه جملة مركبة من شرطٍ وجزاء تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط بإجماع أهْل العربيَّة وهذا ثابت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من رواية عثمان بن عفَّان، وعلي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعمرو بن عنبسة رَضي اللهُ عَنْهُم.
قال المخالف: وقد جاءت آثارٌ بأنَّ الملائكةَ تغرس فيها، وتبني للعبدِ ما دام يعمل فإذا فتر فترت الملائكةُ عن العملِ. قال: وقد روى ابن حبان في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى
(١) من رواية عثمان بن عفَّان البُخاريّ (٤٥٠)، ومسلم (٥٣٣)، وجاء من رواية عمر بن الخطاب عند ابن أبي شيبة (١/ ٣١٠)، وابن خزيمة (٧٣٥)، وأحمد (١/ ٢٠، ٥٣)، وعلي عند ابن ماجة (٧٣٧، وجابر عند ابن ماجة (٧٣٨)، وابن خريمة (١٢٩٢) والطحاوي في "مشكل الآثار" (١/ ٤٨٦)، وابن عباس عند أحمد (١/ ٢٤١)، والطيالسي (٢٦١٧)، والبزار (٤٠٢)، وجاء من رواية عمرو بن عبسة عند أحمد (٤/ ٣٨٦)، والنَّسائيُّ (٢/ ٣١). ومن رواية أنس عند التِّرمذيُّ (٣١٩)، وأبي ذر عند ابن أبي شيبة (١/ ٣٠٩، ٣١٠)، والطيالسي (٤٦١)، والبزار (٤٠١). ومن رواية أبي بكر وأبي أمامة، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم.